[b
]ترى كيف يذهب من يبحث عن حل للقضية الفلسطينية إلى محكمة إبليس اللعين نفسه، في ميرلاند، بعد أن طاف بهم في مؤتمرات لاتُعد ولاتحصى، كانت القضية الفلسطينية بعد كلّ واحدة منها أشدّ بؤسا، وأبخس حظّـا، ثم هم في كلّ مرّة، لايتوبون، ولاهم يذكّـرون.
ومن الواضح أنّ الصهاينة الذين يجوِّعون غزة، ويخنقونها، ويستمرون في عمليات اقتحام مدن وقرى الضفة، والقطاع، والاغتيالات السياسية، ثم قرار مجلس الوزراء المصغر مؤخرًا باستئناف الحفريات في القدس، ويسوقون الدول العربية الموالية لأمريكا للذهاب إلى أنابولس، لا يعنيهـم سوى الحصول على تنازلات رئيسة تحت ضغط إذكاء الصراع الداخلي، والحصار، وتخلي العرب عن الفلسطينيين.
وأمّا الأمريكيون فلايريدون - مع الصهاينة - سوى صناعة وهم سلام جديد، يساعد على التفرغ لحشد جبهة عربية ضد إيران، وحسم المشكلتين السورية واللبنانية لصالحهم.
لقد أعجبتهم هذه اللعبة التي تسمى (إحياء عملية السلام)، وأحبّوها جدا، وبما أنّهم لايُعدمون في كلّ مرة العثور على لاعبين جدد، من الخونة العرب، داخل فلسطين، وخارجها - وما أكثرهم - منذ عقـود، فلماذا لا تمارس نفس اللعبة، كلَّما احتاجوها؟!
ولكـن .. هروبا من سآمة التكرار، ثمة إضافة جديدة للعبة هذه المرة، وهي ما عبرت عنه تسيبي ليفني عندما قدمت في خطابها الأخير في مؤتمر إسرائيل - حلف الناتو: نظرية جديدة لتفسير الصراع العربي - الإسرائيلي تتضمن النقاط الآتية:
إنّ الصراع الحقيقي في المنطقة ليس صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا حتى صراعاً بين العــرب واليهود، إنّما هو في الحقيقــة صراع بين (المعتدليــن) و(المتطرفيــن).
وقالت: "إنّ السياسة الإسرائيلية يجب أن تكون سياسة مزدوجة، بحيث تقوم بمهمتين في وقت واحد:
1. محاربة المتطرفين وعزلهم.
2. تقوية المعتدلين وبناء جسور التفاهم والتعاون معهم"!!
ألم تلاحظوا؟!، هؤلاء المكرة، يعملون على حذف القضايا الجوهرية بالصراع في فلسطين، في مؤتمر أنابوليس.
وكالعادة في كل مؤتمر مزعوم، الأطراف الحقيقية المعنية بالصراع، والمشكلات الرئيسة، أمران غائبـان، والمصطلحات السياسية الغامضة التي تحتمل أكثر من معنى وتفسيـر حاضرة!
فهو مجـرد حلقة في سلسلة الخدعة اليهودية العالمية التي قطعت شوطا بعيدا في إعادة ترتيب المصطلحات السياسية، والمفاهيم الفكرية، إلـى مـا يلي:
1ـ من يعارض أطماع المشروع الصهيوصليبي، والهيمنة الصهيونية على حقوق الفلسطينيين، فهـو إرهابي، ومتطـرف، غير وسطي، معاد للعالم الحر، والمجتمع الدولي، يجب عزله، في كلّ العالم العربي والإسلامي، بل كلّ العالم.
2ـ من يوافق على هذا المشروع، إلى دعم التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني، هو المعتدل، والوسطي، والمحـب للسلام، والمجتمع الدولي.
حتى لو كان المعارض سلطة منتخبة من الشعب، وحائزة على السلطة بإرادة الأمة - كما في غزة - فهو شعب إرهابي، ومتطرف، ويجب عزله، وقتله!!
وعلى الدول العربية أن تسير وفق هذه الخطة:
أولا: تسعى في مواصلة الحـرب على شعوبها، للقضاء على التطرف والإرهاب، فهذه هي أهم أولولياتها في الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى.
ثانيا: مواصلـة دعم جهود الصهاينة في إبقاء هذه المعادلة الجديدة التي وضعها الصهاينة أطول مدة ممكنة، وهـي كما يلـي:
تحويل الكيان الصهيوني من حالة الهجوم عليه، وإتهامه بالإرهاب الذي استمرت عقودا، إلى وضع الكيان الصهيوني في حالة هجوم على العرب، بإشغالهم بحرب إرهابهم خارج الكيان الصهيوني وحوله، وداخـله بعزله وخنقه ومحاصرته!!
إنّه تلبيس إبليس نفسه، قبل وبعـد أنابوليس!
ولعل متعجبٌ يسأل: كيف استطاعوا أن يعكسوا المعادلة بنجاح باهـر، وأين كنـا، وأين رجال الأمـة، وقادتها، ومفكـروها ..إلخ؟!!
حتى إنّه لايكاد يذكر اليوم حتى في منابر الجمعة - إلاّ قليلا - أيّ شيء عن الإرهاب الصهيوصليبي، وأشغلوا حتى العلماء، والخطباء، ووسائل الإعلام حتى الإسلاميّة منها، بإبقاء المعادلة الصهيونية السابقة كما يريدها الصهاينة!!
ولا إخال الجواب بقـي صعباً، بعد أن صارت الأمـة، إلى أن تولـّى أمر النّاس سفهاؤهم، وقاد رأيهـم جهلاؤهم، وتسلط عليهم أعداؤهم.
غير أنَّ هذه الأمّـة قـد تعودت على كمون آمالها في آلامها، ومنحتها في محنتها.
ولهذا نجـدها تقذف من رحمها، وسط هذا المكر من أعداءها، أجيالا أعظم بصيرة، وأشد صلابة، وأمضى عزيمة، وأقوى إصرارا وثباتا.
ومن تأمَّل رجال الجهـاد في فلسطين، علم أنّ ليست وجوههـم وجـوه هزيمة، ولا هاماتهـم هامات خنوع، ولاجباههـم جبـاه ذل وهوان.
وأنّ راياتهم ستـدكّ كلّ مكر إبليس وأبالسة اليهود والصليبيين، وستسقطهم كما أسقطت شارون، ومن قبله، ولن يحصلوا من وراء كيدهم إلاّ على الخسران المبين.
وذلك وعد الله، والله لايخلف الميعـاد [/b]