وجوب المحافظة على الجسم و العقل
قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً{29} وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً{30} } و قال جل و على : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{البقرة195} } و قال النبي صلى الله عليه و سلم {من قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم, و من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم, و من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم}. و هذا يشمل قتل الإنسان نفسه مباشرة أو قتلها بالتسبب, بأن يتعاطى ما يفضي إلى هلاكها كالمسكرات و المخدرات و المفترات كالحشيش و الخمر و القات و التبغ؛ لأن هذه المواد تفضي إلى هلاك النفس. و كما حافظ الإسلام على النفس بنهيه عن تعاطي ما يفضي إلى هلاكها من هذه الأشياء و غيرها, فإنه أيضا حافظ على العقل الذي يتميز به الإنسان عن الحيوانات, فحرم المخدر و المسكر و المفتر, و رتب على تعاطي المخدر و المسكر إقامة الحد بالجلد ثمانين جلدة, و حرم بيع هذه المواد وأكل ثمنها, و لعن من فعل ذلك لأن بيعها و ترويجها وسيله إلى تعاطيها, و قررالفقهاء أن من يجلب المخدرات أو يقوم بترويجها أنه يقتل حماية للمجتمع من أخطارها و ردعا لهذا المجرم و أمثاله من القضاء على أفراد المجتمع, و هذا من باب سد الوسائل التي تفضي إلى المحذور, و من باب الوقاية (و الوقاية خير من العلاج), و لكن من ابتلى بتناول هذه المحظورات و وقع فريسة لها, فإن أمامه باب التوبة و الإقلاع عنها و الرجوع إلى عقله و دينه و رشده و من تاب تاب الله عليه, و من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} } و الله جل و علا يقول : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54}}.
ثم إنه يجب على المسلم أن يبتعد عن رفقة السوء و مجالسة أهل الفساد لأنهم يؤثرون على من خالطهم و جالسهم و بئس الجلساء و بئس الأصدقاء:
إذا صحبت قوما فاصحب خيارهم و لا تصحب الأردى فترى مع الردي
هذا و أسأل الله لي و لإخواني المسلمين السلامة و العافية من كل سوء وأن يعافي المبتلين و يوفقهم للتوبة. و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه.
من كتاب البيان لاخطاء بعض الكتاب الجزء الثاني طبعة دار ابن الجوزي صفحة 31-32