مسلم ومشرك
أقف منبهرا أمام علاقة الحبيب صلى الله عليه وسلم وعمه أبو طالب....ففي علاقتهما الكثير والكثير من القواعد والحكم :
1- علاقة حب وتقدير واحترام بين مسلم ومشرك !..مبنية على مبدأ أحبك وأحترمك وإن اختلفت معك في الرأي والدين !!...فانظر إلى قول أبو طالب للرسول (قل يا بن أخي ما شئت فو الله لن يصل إليك أحد) – أي أنه سيحميه- ....وانظر إلى حزنه صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا عند وفاة أبو طالب حتى أن هذا العام سمي عام الحزن لوفاة خديجة وأبو طالب معا...وهذه العلاقة صفعة في وجه كل من يريد أن يسلب من المسلمين إنسانيتهم بأن يحاول أن يصور التدين بأنه كره وبغض وحقد لكل غير المسلمين على وجه الأرض...وهو مبدأ لم أجده في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
2- النصر والمؤازرة للمسلمين قد تأتي من غير المسلمين ...فأبو طالب كان له دور كبير في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة...ولم يقل الرسول : أنت كافر ولا أقبل مساعدتك حتى تدخل في ديني !!...وفي هذا درس للمسلمين أن يتحلوا بالحكمة وأن يستفيدوا من أي شخص في أي مكان قد يساعد دعوتهم أو يكون لهم عونا بغض النظر عن دينه....وفي السيرة عشرات القصص التي كان للمشركين أنفسهم دور كبير في رفع الأذى عن المسلمين...ولعلي أفرد لتلك القصص مقالا مستقلا.
3- الداعية عليه تبليغ الرسالة فقط لا غير...أما الهداية فهي بيد الله...وهو كلام معروف ولكننا لا نطبقه.. فنجد أن عدد من الدعاة يغضب إذا لم يستمع الشاب لكلامه وكأنه يريد أن يجبر الشاب على سماع رأيه جبرا...والأمور لا تؤخذ بالغصب..يقول تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)....وانظروا إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لأبي طالب وهو على فراش الموت "أي عم ..قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"..همه صلى الله عليه وسلم أن يهديه ولكن الله يفعل ما يريد (وما عليك إلا البلاغ المبين).
4- الأخلاق لا تغني عن الإيمان.....فأبو طالب كان ذو أخلاق عالية...وكان يحسن معاملة الناس ولا يؤذي أحدا....ولكنه لم يؤمن...لذلك الأخلاق وحدها لا تكفي....نريد أخلاق وإيمان معا...نريد صلاة وصدق...صوم ونظافة...زكاة وإتقان عمل.....ذهاب للمساجد وبشاشة وجه.....كلاهما : العبادات والأخلاق يدا بيد !!
5- التقاليد قد تعمي وتدمر الشخص.....فما منع أبو طالب عن الإسلام سوى التقاليد وعادات الآباء والأجداد حيث جاءه أبو جهل وهو على فراش الموت وقال له (يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟؟!)...وإني أرى في عصرنا الحالي خلطا كبيرا بين التقاليد والدين أدى أحيانا إلى التضييق على الناس بدون داعي أو إلى العكس تماما حيث أدى إلى تمييع الدين وفتحه على مصراعيه بدون ضوابط.....والإسلام أكبر وأعلى وأجل وأوضح من أن يحكر ويحدد في تقاليد بلد أو شعب أو قبيلة معينة !.
اللهم أعد على المسلمين إنسانيتهم وحكمتهم وعزهم وحبهم لهداية خلقك أجمعين.......آمين...